من لدعوة الله؟؟






من يقيم دعوة الله التي أوصلت إلينا مقرونة بواجب الرعاية والإيصال إلى من بعدنا؟



إن دعوة الله لا تقوم بمن لبس لباس الدعاة وهو لم يبرح يتتبع رخص العلماء وزلاتهم. ولن تقوم ولن تنجح بمن يقضي جل الوقت ليناقش ما لا ينفع فيه النقاش برأيه وعلمه المحدود ببعض الآيات والأحاديث المتداولة بين الناس. ودون علم بالتفسير والسند. ولا يجتهد في معرفة أسباب اختلاف العلماء في المسألة وأدلة كل عالم. إنما يتتبع ما يوافق رأيه والبيئة التي تربى فيها حتى يلفق من هنا وهناك ويلبس رأيه لباس الدين ثم يصدق نفسه ويحسب أنه وافق الشرع وتوصل للحق فيبدأ الجهاد لإقناع الناس بأن النقاب حرام وخروج المرأة للعمل فرض، وكثرة الأولاد غباء وتعدد الزوجات مستحيل وأنه لن يدخل أحد في الإسلام إلا باستعمال الموسيقى، ويلبث عمرا يجاهد في سبيل أشباه هذا الكلام! وهو يحسب أنه مشغول بالدعوة إلى الله.

من إحدى مظاهرات الإخوان

الدعوة الناجحة بذرة تسقيها الدماء والدموع، لا أنهار الخمور الجارية حول قاعات وغرف الفنادق الفخمة ولا وقود السيارات الفارهة إنما تسقيها الدماء المتدفقة من الأقدام الحافية المضيئة من أثر الوضوء. والعرق والدموع على صراط الله، في الالتزام بأوامره، والانتهاء عن نواهيه، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي لتغييره، وتعليم الخير، والجهاد. بهذا فقط تقوم الدعوة، تقيمها الأيدي الخشنة لا الناعمة، والأعين الباكية لا الجافة، والنفوس الحليمة الطيبة لا الغضوبة الخبيثة. والجباه الساجدة لله المرفوعة على أعداءه. وقلوب معلقة بالمساجد لا بالمباني الفخمة وأماكن المتعة. وبالمجالس التي تذكر بالآخرة لا بالمجالس التي تنسيك الآخرة وتمتلئ بالمتع والحديث الفارغ. وبأموال ينفقها الداعية على دعوته لا بأموال تضطر الدعوة لإنفاقها على (دعاة) يتعللون بقلة المصروف أو الراتب، الذي يذهب لما أترفوا فيه من متع وكماليات! ولا تقوم بعجيزة أصيبت بالباسور من طول الراحة في المقرات المكيفة والكراسي الوثيرة. بل تقوم بأجسام أنهكت في سبيل الله. ولست أدعو لعيش حياة الفقراء مع وجود النعمة إنما أدعو لترك الفكرة المسيطرة على بعض من لا يقوم بعمل دعوي إلا إذا كان ممتعا سهلا. مما جعل كثيرا من البرامج الدعوية تتجه للوسائل الأقل أثرا وللجوانب التفصيلية، في حين لا تجد الوسائل العالية التأثير والجوانب الأساسية من يقوم بها.



إن نبينا صلى الله عليه وسلم لم يقبل ملك العرب إذ عرض عليه ولم يقبل نصف التدين، حتى أشربت قلوب متبعيه بالإيمان القوي بالتوحيد. ثم جاءته الدنيا راغمة وأصبح زعيم أقوى وأسعد دولة في العالم. وبدأت دعوته بإبلاغه أن قومه سيطردونه من بلده، وبـأن قيل له (تبا لك). فداه كل عزيز، فما كان لذلك من تأثير على ثباته صلى الله عليه وسلم. ولم يفعل ما نرى اليوم ممن يبدأ طريق الدعوة ثم يثور ويغضب لنفسه لأول كلمة جافة يسمعها! أو يدعو الجميل والإمعة من الناس ويترك المناقش ومتواضع الهيئة.





إنها دعوة الأقوياء الذين يملكون أنفسهم عند الغضب لكنهم ثابتون بقوة على الحق ولو حاربتهم الدنيا كلها، كموقف أبي بكر زمن الردة، رضي الله عنه، إنها دعوة أقامها رجال، وكانوا لا يلتفتون للتوافه، وحملوها بالقوة، وسقوها بدمائهم، حتى أوصلوها جيلا بعد جيل إلى الداعية عمر التلمساني، ابن العائلة الغنية المترفة، الذي دعاه رجلان للقيام بواجبه في الدعوة إلى الله فذهب إلى حسن البنا رحمه الله الذي قال له: "إني لا أدعوك لنزهة ولكني أعرضك لمشقات". فقبل رحمه الله، ثم كتب يصف عمله في الدعوة: "أقدامنا تغوص في الرمل والزلط والأرض الرطبة ومناديلنا تكاد تعصر من العرق الذي نجففه من طول ما نمشى . آنا نبيت مع الإخوان على الحصير في المساجد أو في الأجران إن تعذر المبيت في المسجد أو المضيفة. الأكل أقله وأخشنه". هذه هي النوعيات التي يجب أن تحمل الدعوة، وهذه هي الشهادات التي أهلته لتسلم قيادة أكبر جماعة إسلامية في القرن العشرين وأعظمها أثرا على المسلمين في زمانها. وليست مؤهلاته شهادات البرمجة العصبية ولم يكن مشاركا في تنظيم مباريات كرة القدم وإعداد التصاميم الفنية و(الريمكسات) الصوتية والتصوير وهو يحسب أنه مشغول (بالدعوة)!


ركز أيها الداعية على الأساسيات حتى تكون ممن تقوم بهم دعوة الله الحقيقية، ولا تكن جزءا من الدعوة الصورية التي يريد كثير من أهلها–ربما دون شعور منهم- ملء وقت فراغهم والاستمتاع أو نصرة عصبية جاهلية لحزب أو جماعة ما، دون تفكر في حقيقة هدف الدعوة العظيم الذي شرحناه في مقال سابق بعنوان (ابدأ من جديد). والله يوفق من يخلص له النية ويجاهد لمعرفة أفضل الطرق للنجاح في (إصلاح أكبر قدر ممكن من الناس لأكبر درجة ممكنة من الصلاح). ثم يجاهد لتنفيذ ذلك فينال حسن الثواب. والله ولي التوفيق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق