معركة التقاليد



كنت أعتزم السفر إلى إحدى الدول مع الكثير من المتاع، كنت قادرا على حمله وحدي ولكن أحد الأوروبيين المسافرين على نفس الرحلة تقدم لمساعدتي على ذلك، قدمت له الشكر، وبعد الصعود للطائرة اكتشفت أن مقعده بجانبي. فجعلت شكري له مدخلا للدخول إلى بعض الحوارات. وسبحان الله الذي ييسر لعباده الدروس والعبر في الحياة ويرسل لهم دائما ما يذكرهم بربهم ودينهم، لقد كان هذا الغربي في مظهره الخارجي من أولئك الأوروبيين الغارقين في المتع والشهوات وكان يبدو في سن الشباب، إلا أنني اكتشفت أنه أكثر تقدما في السن مما يبدو عليه، لأن زوجته المسافرة معه كانت تبدو في سن جدتي! وعموما، لا ينبغي للإنسان أن يحكم من المظهر، فقد فوجئت من خلال حديثي معه بأن هذا الشخص يملك أسرة مستقرة فيها أبناء أعمارهم حوالي العشرين سنة، وأنه يعمل في بلادنا منذ أكثر من عشر سنوات.


أخذنا الحديث يمنة ويسرة عن التقاليد والعادات الاجتماعية في بلده وفي بلدنا، قلت له (إن الذين لا يقرؤون ولا يعرفون حقائق الأمور إلا من التلفزيون يظنون أن الأوروبيين كلهم مثل ممثلي الأفلام والمسلسلات الغربية، أسر مفككة وعرى اجتماعية واهية، حتى إن أحدهم ليفاجأ من رؤية عائلة أوروبية حقيقية فيها زوج وزوجة وأطفال يعيشون باستقرار) فقال لي (إن بلدكم يسير على نفس الطريق الذي سارت عليه أوروبا، ولقد رأيت هذا التغير الصريح في السنوات العشر التي قضيتها في بلادكم)!


قلت له (أنا مهتم منذ زمن بالقراءة عن تاريخ أوروبا والتغير الاجتماعي الذي طرأ عليها، ولقد كانت أوروبا سابقا ذات روابط اجتماعية حقيقية وقوية وتسود فيها الحشمة في اللباس ولا يقبل فيها فساد الأخلاق) . فقال لي (نعم، لكن الأمور تتغير، وكما تغيرت في أوروبا فإن بلدكم تسير على نفس الطريق كما أرى، القيم تغيرت كثيرا ونتيجة لذلك قل الأمان وتعاون الناس مع بعضهم) وقال كذلك (لا تزال في أوروبا عائلات مترابطة إلى درجة أن جميع الأبناء مع زوجاتهم وأبنائهم يسكنون في بيت أبيهم وأمهم، بيت العائلة الكبير).


قلت له (إن ترك الدين أدى إلى ترك قيمه الاجتماعية الراقية في مجتمعنا، حدث ذلك بسبب ما دخل علينا عن طريق الانترنت والتلفزيون وخلافه) فقال (نعم نعم).





 انصرفت عنه لتقديم بعض الرعاية إلى ابني الصغير، ثم عدت إليه قائلا (أتعجب من بعض الناس الذين يظنون أن الحياة أفضل بلا أطفال، فما أجمل الحياة مع وجود الأطفال) .. فقال (الناس مختلفون، لكن كلامك صحيح، لكن صدقني، سوف ترى أنه كلما كبر ابنك كلما أصبحت رعايته أصعب) .. فقلت له (أنا لا أحمل هما من ناحية المال والحاجات الجسدية، ولكن كيف سأعلمه الخلق القويم وأجعل منه شخصا مستقيما وسط هذه البيئة التي نعيش فيها). فقال لي (صحيح، صعب جدا، أصعب مما تتخيل). ودار حوار طويل خلاصته أن هذا الشخص مقتنع تماما أن بلدنا أصبحت مثل أوروبا، وأن القيم قد انحدرت فيها بشكل كبير، ولا يخفى عليكم أن الأماكن التي يرتادها هؤلاء الأشخاص تناسب ثقافتهم المتحررة، وبالتالي فإنهم في معظم أوقاتهم لا يلتقون إلا بالنوعية التي ترتاد تلك الأماكن من أبناء جلدتنا –للأسف- .. هل لدى أحدكم من طريقة لإقناع هذا الشخص بأن المجتمع الإسلامي مجتمع مترابط راق ملتزم بالأخلاق القويمة بعد ما رآه في بلدنا؟ أنا شخصيا لا أملك طريقة لذلك إلا الدعاء له ولأمثاله بالهداية. والله على كل شئ قدير.


لكن اكتشفت عندما تكلمت معه قيمة كتيب صغير ملقى في زاوية من زوايا خزانتي اسمه (معركة التقاليد) . كتب بقلم الأستاذ محمد قطب بارك الله في عمره ورزقه الفردوس الأعلى من الجنة. كتيب صغير قصير لكن يساوي وزنه ذهبا، ومن لم يقرأه فقد فاته خير كثير.
 
 
 
لتنزيل الكتاب: http://www.hassanalbanna.org/download.php?action=download&fileid=186





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق