بعدوا عن طريقنا





انتشر مؤخرا تصوير لرجل يمني فقير يترنم بقصيدة مضحكة. ويخاطب المسئولين والحكام بتكرار لازمته (بعدوا من طريقنا، بعدوا من طريقنا). ومنظره وصوته الحزين يثيران الرثاء خصوصا وأنه يحسد المسئولين على أكلهم (للكبد والكلى) بينما لا يحصل هو سوى على (الفول). ويعتبر أن الكبد والكلى أكلة فاخرة وأمنية صعبة المنال! فيظل يكرر بحسرة (جرة الفول حقنا والكبد والكلى لكم) ويشكو أن المسئولين ينامون في الشقق والفلل بينما ينام هو على الكرتون! وأن المسئولين يركبون (الصوالين) أي السيارات الفارهة، بينما يركب الفقير الدواب والحمير، ويعيش في (خيمة مشنترة) ويأكل للتبن بينما يأكل المسئولون التين في قصورهم. ويعزو ذلك كله إلى طمع المسئولين الذين (ملأوا جيوبهم من تعبنا وكدنا).

لا يبدو على هذا الشخص أنه قد رأى في حياته مدرسة أو سمع عن الاختراعات التي تمتلئ بها أيدي أولادنا الصغار وغرفهم. وإن كان يعتبر أن الشقق والفلل وسيارات الصالون وأكلة الكبد والكلى ترفا كبيرا فيه ظلم للفقراء فلا أدرى ما سيقوله لو أتى إلى بلدنا ورأى ما يتقلب فيه أولاد ذوي الرواتب البسيطة. من هواتف وحواسيب وبلاي ستيشن وسيارات ومطاعم وألعاب وجامعات خاصة من أجل التفاخر –وكله من القروض-. وما هم فيه من "الدلال" وكلام فارغ لا يليق بمن رزقه الله نعمة الإسلام وعرفه حقيقة الدنيا والآخرة. فهذا الفقير يستحلب الصخر من أجل لقمة يستمر بها في الحياة، أو شربة ماء تروي ظمأه بعد عناء العمل الشاق، بينما أولادنا يلقون بطعام في القمامة أكثر مما يأكلون، ونهاية الدنيا عندنا أن ينقص عنا شئ اشتهيناه ولو كان من الكماليات التي لا داعي لها. وعلى الرغم من كل هذا الترف تجدنا دائمي التذمر والشكوى من قلة ذات اليد، وأن الراتب لا يكفي لمصاريف الحياة وللزواج ووالله أنه كاف ولكن (من اعتبر الكماليات أساسيات فلن تكفيه رواتب الدنيا كلها). اعتبروا يا شبابنا من هذا اليمني الذي -على الرغم من فقره- لم يطلب من أحد أن يعطيه شيئا، بل أقصى ما ذهب إليه هو مطالبة الحكام بـأن يغربوا عن وجهه ويبتعدوا عن طريقه. وما زال يعمل ويكد ولم يجلس مكانه مطالبا الحكومة بالإنفاق عليه.





جانب آخر لفت انتباهي في تلك الكلمات التي ترنم بها صاحبنا:



ألسنا نحن أجدر بأن نقول لبعض مسئولينا: (بعدوا من طريقنا)؟؟


فإن مسئولي بلده اكتفوا باستعمال تعب ذلك الشخص وكده في شراء الشقق والفلل وطبخ الكبد والكلى وركوب سيارات الصالون، فجاع الرجل وأولاده وضاع عمره كله في سبيل لقيمات بسيطات من التبن والفول، لكنه على الأقل حصل على أجر وثواب إطعام عائلته إن كان مخلص النية في ذلك، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن أعظم الإنفاق أجرا إنفاق الرجل على أهله. أما المسئولون في بلادنا فإنهم لم يكتفوا بأكل الكلاوي وسرقة تعبنا وكدنا، فإن هذا سينقص حظنا من الدنيا وما ذلك بنقص. إنما هم تتبعونا إلى داخل بيوتنا فأشاعوا فيها ما أشاعوا من الباطل والأفكار السيئة عبر وسائل الإعلام التي يملكونها، ووضعوا للمدارس أسوأ المناهج وأسوأ طرق التعليم والتقييم فاعتمدوها سياسة لا يبغون عنها حولا. كما تدخلوا بين الأزواج وزوجاتهم موهمين الزوجات المسكينات أن عليهن التمرد والتلهف على المادة والشهوات وأوهموهن أن ذلك جهاد من أجل الحقوق الشرعية! ونشروا الموبقات والمنكرات باسم الانفتاح والاستثمار، ودفعوا الناس دفعا نحو الحرام ثم قالوا أن الناس هم من يريدون ذلك! وماذا كنتم تتوقعون يا مسئولين ممن جاورته العاهرات يعرضن نجاستهن على أولاده ليل نهار وهم لا يستطيعون الزواج بسبب سياساتكم. أتريدونهم أن يكونوا كالملائكة؟ لن يكونوا كذلك، ليس لأنهم سيئون، بل إنهم طيبون وفيهم خير كثير لكنهم فتحوا أعينهم على ما ملأتم به الصفحات البيضاء في عقول الصغار الأبرياء من كلام فارغ وأفكار منحرفة زينتموها لهم بالإعلام والمدارس والحملات وشتى الوسائل الخبيثة وبالدعم الأمريكي وأوامر المستر الأمريكي. حتى ظنوا أن تلك الأفكار هي الحق، اسرقوا ما أنتم سارقون من المال فإن الله محاسبكم عليه وما أنتم بآخذيه معكم لقبوركم. لكن إن أردتم الاستثمار وكرسي السلطة فلا تنالوا ذلك على حساب دين الناس فإن عقاب ذلك عسير. واعتبروا بمن كان قبلكم فلا هو استمتع في الدنيا ولا كان له في الآخرة من خلاق. ولا نقول إلا (بعدوا من طريقنا، لو كذا كان طبعكم، شتت الله بشملكم، وحفظنا بضعفنا، وجهنم حتما لكم، بعدووووو بعدوووووو بعدووووو من طريقنا).


تأمل -عزيزي القارئ- في قول الله تعالى في سورة سبأ:
 ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم إلى بعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا أنتم لكنا مؤمنين(31) قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد إذ جاءكم بل كنتم مجرمين(32) وقال الذين استضعفوا للذين استكبروا بل مكر الليل والنهار إذ تأمروننا أن نكفر بالله ونجعل له أندادا وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وجعلنا الأغلال في أعناق الذين كفروا هل يجزون إلا ما كانوا يعملون.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق